تصعيد إسرائيل الخطير- أهداف خفية وتواطؤ أمريكي غير مسبوق

المؤلف: د. خليل العناني10.16.2025
تصعيد إسرائيل الخطير- أهداف خفية وتواطؤ أمريكي غير مسبوق

في غضون فترة وجيزة لا تتعدى الأسبوعين، شنّت إسرائيل ثلاث عمليات عسكرية ذات طابع خاص ومميز. تجلّت العملية الأولى في استهداف ميناء الحديدة اليمني، وذلك عبر طائراتها الحربية المتطورة من طراز "إف-16" و "إف-35"، التي حلّقت لمسافة تقارب 1900 كيلومتر انطلاقًا من صحراء النقب، ممّا أسفر عن تدمير خزان نفطي ومحطة لتوليد الكهرباء. أما العملية الثانية، فقد تمثلت في اغتيال القائد العسكري البارز في حزب الله، "فؤاد شُكر"، في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، التي تعتبر، وفقًا لمعايير حزب الله، خطًا أحمرًا لا يمكن تجاوزه في الصراع الدائر مع الكيان الصهيوني. في حين كانت العملية الثالثة، والأكثر خطورة، هي اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في العاصمة الإيرانية طهران.

تسعى العمليات الإسرائيلية الثلاث إلى تحقيق الأهداف التالية:

  • استعادة جزء من الهيبة والصورة التي تلطخت يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، عندما فشلت أجهزتها العسكرية والأمنية والاستخباراتية الذائعة الصيت في التنبؤ بالهجوم المباغت الذي شنته الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، وفي التصدي له، مما أدى إلى إحداث شرخ أمني وعسكري غير مسبوق في تاريخ الكيان.
  • إعادة بناء منظومة الردع الإقليمية مع الخصوم، وعلى رأسهم إيران وحلفاؤها المنتشرين في المنطقة العربية، وفي مقدمتهم حزب الله في لبنان، والتي شهدت تحولًا كبيرًا ليس في صالح الكيان منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
  • محاولة من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لتحقيق نصر ولو كان وهميًا، يهرب به من الفشل الذريع الذي منيت به حربه الشعواء على قطاع غزة المحاصر.

خلال هذه العمليات الثلاث، كانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، حاضرة بقوة، ليس فقط من خلال علمها المسبق بهذه العمليات، بل أيضًا من خلال الدعم العسكري والاستخباراتي واللوجستي الذي قدمته. فمن غير المتصور أن تقدم إسرائيل، أو أن يجرؤ نتنياهو على القيام بمثل هذه العمليات دون الحصول على موافقة أميركية مسبقة، ليس فقط بهدف التنسيق، وإنما أيضًا لتأمين الغطاء والحماية في حال حدوث أي ردود أفعال على ما قامت به، وتحسبًا لأي عواقب وخيمة قد تنجم عن القيام بهذه العمليات.

إلا أن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه هو: لماذا تبدو واشنطن مستسلمة لمنطق نتنياهو الذي يسعى، على ما يبدو، إلى توسيع نطاق الصراع في المنطقة، الأمر الذي قد يؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية شاملة، وتتحمل الولايات المتحدة تداعياتها الباهظة، وتؤثر سلبًا على مصالحها الحيوية في المنطقة؟ هناك عدة عوامل تكمن وراء هذا الموقف الأميركي:

  1. تتفق الإدارة الأميركية الحالية مع إسرائيل في السعي الحثيث لاستعادة معادلة الردع التي انهارت قبل عشرة أشهر، والتي أثرت سلبًا على صورة أميركا باعتبارها الحليف والداعم الأساسي للكيان الصهيوني، وبالتالي هناك مصلحة مشتركة مع تل أبيب في هذا الصدد.
  2. تحاول واشنطن معاقبة إيران وحلفائها في المنطقة؛ انتقامًا لإفشالهم خطة التطبيع التي كانت تسير بخطى متسارعة قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي كان يعوّل عليها الرئيس بايدن باعتبارها أحد إنجازاته الملموسة في السياسة الخارجية، خاصة في ظل إخفاقه في كافة الملفات الأخرى، مثل: ملف الحرب الروسية على أوكرانيا، وملف العلاقة المتوترة مع الصين، وكذلك ليصبح التطبيع جزءًا من إرثه السياسي بعد اعتزاله العمل العام.
  3. رغبة الإدارة الأميركية في تدشين نظام إقليمي جديد يسعى جاهدًا لدمج إسرائيل في المنطقة عبر تشكيل تحالف وثيق مع بعض الدول العربية في مواجهة إيران، بحيث تلعب تل أبيب فيه دور رأس الحربة، في ظل سعي واشنطن لإعادة التموضع في المنطقة من أجل التركيز بشكل أكبر على ملفي الصين وروسيا اللذين يمثلان تحديًا استراتيجيًا لها.
  4. تعد الإدارة الحالية من أضعف الإدارات الأميركية التي تعاقبت على العلاقة مع تل أبيب خلال العقود الثلاثة الأخيرة، إلى الدرجة التي سمحت لنتنياهو بابتزازها بشكل غير مسبوق للحصول على الدعم العسكري والدبلوماسي والسياسي السخي. والأكثر أهمية أن هذه الحرب تأتي في خضم موسم انتخابي ساخن، وفي ظل أجواء استقطابية وانقسامية غير مسبوقة في الساحة الداخلية الأميركية، وهو ما يستغله نتنياهو بذكاء ودهاء، ليس فقط للإبقاء على الحرب في غزة، بل لتوسعتها خارجيًا أيضًا.
  5. لا يمتلك الرئيس أو الكونغرس الأميركي ترف الضغط على إسرائيل حاليًا، خاصة قبل أشهر قليلة من انتخابات حاسمة سواء على مستوى الرئاسة أو الكونغرس، حيث يطلق فيها على الرئيس لقب "البطة العرجاء"، أي أنّ كليهما لا يستطيع الإقدام على اتخاذ قرارات مصيرية بشأن العلاقة الحساسة مع الكيان في هذا الوقت العصيب.

في ضوء هذه الاعتبارات الدقيقة، يصبح من المنطقي أن تتورط الإدارة الأميركية في هذه الحرب وتطوراتها المتسارعة. ولكنها أيضًا نفس الحسابات التي من شأنها أن تهدد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة وخارجها على المديين المتوسط والبعيد.

فمن ناحية، فإن اتساع نطاق الحرب وخروجها عن السيطرة يعنيان تورطًا أميركيًا أكبر في المنطقة الملتهبة، في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن جاهدة للالتفات إلى صراعات أخرى أكثر خطورة وأهمية، كالصراع المحتدم مع روسيا والصين.

ومن ناحية أخرى، ثمة احتمالات متزايدة بأن يتحول دور أميركا من مجرد الدفاع عن إسرائيل إلى التورط في حرب هجومية مباشرة ضد إيران وحلفائها، وهو ما قد يؤدي إلى اشتعال المنطقة بشكل كامل وارتفاع احتمالات سقوط خسائر فادحة في الأرواح، وبالتالي ارتفاع التكلفة السياسية داخليًا في أميركا.

ومن ناحية ثالثة، فإن انصياع الإدارة الأميركية لمنطق نتنياهو المتطرف يضعف صورة أميركا أمام حلفائها الآخرين ويظهرها دولة ضعيفة لا تستطيع فرض رؤيتها على هؤلاء الحلفاء، في ظل تعنت ورفض نتنياهو للمطالبات المتكررة بضرورة التوصل إلى اتفاق عاجل لوقف الحرب.

باختصار، فإن واشنطن التي تبدو تابعة ومستسلمة بشكل كبير لمغامرات نتنياهو الطائشة، تتحمل جزءًا أساسيًا من مسؤولية اشتعال المنطقة وتدحرج كرة اللهب إقليميًا، الأمر الذي سيجعلها تدفع ثمنًا باهظًا لذلك عاجلًا أم آجلًا.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة